أم الخير
في قريتنا الصغيرة أعيش في بيت صغير ، وأمي هي أم الخير .
الناس ينادون أمي بهذا الاسم الجميل ... وأنا بنت أم الخير .. كم أحب هذا الاسم .. وأريد أن اعرف لماذا أمي هي أم الخير ..
لاتخلو مناسبة اجتماعية في قريتي الصغيرة إلا وتكون أم الخير هي أول من تدعى إليها .. والكل يسأل هل ستحضر أم الخير ؟
لا يحلو المجلس لنساء القرية إلا بوجود أمي الغالية .. كم أنا محظوظة بها ..
لاتفرح البنت في حفل زواجها في قريتي إلا بحضور أمي .. أمي تذهب لبيت العروسة عصر ذلك اليوم وتجلس معها وتستمتع الفتاة بتوجيهاتها الغالية ويعلو محياها الفرح والسرور وهي تردد : ابشري يا أمي يا أم الخير .... أمي .. أم الخير محبوبة من الجميع .. يارب أكون مثلها ..
قريتي قرية السعادة ..الكل فيها سعيد .. أمي تفتح أبواب بيتها للجميع .. وبعد العصر يوم بعد يوم تجتمع صغيرات القرية عندنا .. تدرسهم أمي القرآن .. وتقول لنا : يا بنياتي .. القرآن ربيع القلوب مثل فرحنا بالعشب إذا نزل المطر .. يا بنياتي القرآن مثل الشمعة في الظلام .. هل يقدر أحد أن يمشي في الظلام بدون نور ؟ .. لا .. يا أمي ... بدون القرآن يا بنياتي ترى الدنيا كلها ظلام .. وحياتكم ظلام . .. فأنيروا طريقكم بالقرآن .. أمي تعلمنا الصلاة والدعاء .. وكيف نعامل الناس ..
في يوم من الأيام .. توفيت جارتنا بعد معاناة طويلة مع المرض ... وصار أولادها الصغار أيتاما .. لم تنساهم من عطفها وحنانها .. ترسلني بالأكل إليهم .. وبالملابس ..وتدخلهم بيتنا عندما يغيب أباهم من أجل العمل ..صاروا مثل إخواني .. حتى بحثت أمي لأبيهم عن زوجة صالحة .. كانت خير أم لهم بعد أمهم .. سادت السعادة البيت بعد الحزن ..وسمعتها ذات يوم توصيهم بالدعاء والبر لأمهم بعد مماتها .. وأن لاينسوها في صلاتهم ... فلا يكافئ معروفها بعد مماتها إلا الدعاء لها كما علمنا الله تعالى في كتابه .. ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).. أحبوها من محبتها لأمهم ..
لو كتبت عن أمي الكثير والكثير ... لا أقدر أن أصف لكم حب القرية لها .. يكفي أنها أم الخير ..
في يوم دخل الشيطان بيتنا وفرق بين أخواتي .. وتفرقنا بعد ما كنا قلباً واحدا .. وضاق صدر أمي الحنون ..ترى كل واحدة في زاوية من زوايا البيت ..
غاب عن بيتها المرح والفرح .. أين هن بناتي ..
نراها والدمع على خدها ..
قالت لنا : تعالوا يابنياتي .. وكل وحدة تحضر معها عودين من أعواد الحطب ..
وبعد ماجلسنا معها قالت : هيا كل واحدة تكسر عود من الأعواد التي معها .. فما أسرعنا في كسرها وإتلافها .. قوتنا الضعيفة استطاعت أن تكسرها في لمحة البصر .. قالت : أرأيتم كيف تكسرت بسرعة ..
والآن كل واحدة تضع عودها الآخر هنا أمامي..وبعد أن اجتمعت تلك الأعواد قالت : هيا أيتها الكبيرة اكسريها .. حاولت ففشلت .. قالت : هيا أيتها الوسطى اكسريها فعجزت .. قالت : جاء دورك أيتها الصغرى هيا اكسريها .. ففشلت بعد محاولات يائسة ..
قالت أمي : أريتم كيف صار حال الأعواد عندما تفرقت .. لقد تكسرت .. لم يبقى منها أحد .. وهذا حالكم بعد أن تفرقتم .. كل واحدة في زاوية من زوايا البيت يعلوها الهم والغم والحزن .. وهذا يفرح به الشيطان ... وعندما اجتمعت تلك الأعواد صارت قوة واتحاد .. ألا تريدون أن تكونوا مثلها في قوتها واتحادها ؟!
فهل فهمتم يابنياتي ..
أجهش الجميع بالبكاء وأسرعنا بتقبيل رأس أمي الغالية .. أم الخير.. وعرفنا بحكمتها وتوجيهها الطيب لماذا هي أم الخير ..
ثم التففنا حول أمي يد كل واحدة في يد الأخرى وندور حول أمي .. ونردد أمنا أم الخير .. أمنا أم الخير .. وهي تبتسم وترفع يديها المتجعدتين .. وتردد يارب إحفظ بنات أم الخير00